سمعنا عن قرار مجلس الشورى القاضي بمنع إيداع كبار السن في دور الإيواء إلا بموافقتهم، وهو قرار إنساني بالدرجة الأولى؛ تولَّت فيه الدولة القيام بمسؤولية أسرية اجتماعية أهمل في القيام بحقها أبناء عقوا آباءهم وأقضوا مضاجع مجتمعاتهم واستنفروا حكوماتهم!
فحكايات وقصص بعض المودعين في دور الإيواء هي صور مؤلمة لأناس اكتووا بالنكران ورُموا في عالم النسيان؛ حيث قصص المآسي تنزوي على الأسرة والمقاعد والزوايا في انتظار أن تستريح من عناء حياة الجحود إلى حياة النقاء؛ حيث لا شقاء ولا جحود ولا بؤس؛ حيث العدالة الإلهية ستأخذ بحقهم وتبوؤهم المكانة العليا!
ورغم أن القرار قرار إنساني جاء ليقطع الطريق أمام العاقين؛ إلا أن الأبناء إذا لم يكونوا بررة من الأساس؛ فإن إجبارهم في إيواء والديهم؛ قد يكون أكثر إيلاما وضررا على الوالدين؛ لأنهم قد يتعرضون للمضايقات كونهم غير مرغوب فيهم وقد أعيدوا بالقوة الجبرية!
ولكي نعالج المشكلة من جذورها ومسبباتها بدلا من أن نعالج آثارها؛ علينا أن نضع أيدينا على مصادر هذا العقوق؛ من إهمال الوالدين لأبنائهم صغارا ومطالبتهم برعايتهم كبارا، أو القسوة التي قد يتعرض لها الأبناء من معاملة وهضم للحقوق، أو التفرقة بين الأبناء، أو حتى تركهم دون متابعة وتربية، كل تلك الأسباب هي في النهاية تقود إلى أب أو أم تُرمى في دار الإيواء! ولا شك أن الوالدين مهما فعلوا يبقى البر بهم واجب؛ وهذا أمر لا نقاش فيه.
وفي الختام رسالتين أوجهها أولا لحكومتنا الرشيدة، والرسالة الثانية هي للآباء والأبناء؛ أما الرسالة الأولى فهي رسالة شكر للحكومة على قرارها الحكيم الذي وضع حدا لكل من هان عليه أن يتخلى عن أم حملته أو أب صارع الحياة من أجله؛ وهو قبل أن يكون قرارا رسميا؛ هو موقف إنساني نابع من حكومة ترفض الظلم والشتات، وتسعى للمِّ شمل المجتمع والأسر!
أما الرسالة الثانية فهي للآباء والأبناء؛ أقول فيها للآباء؛ اقتربوا من أبنائكم صغارا حتى تجدوهم كبارا؛ أرحموهم، علِّموهم، افسحوا لهم في مجالسكم واسمعوا منهم، وقدروهم، واحترموا عقولهم، وأعطوهم الثقة والأمان، حينها ستجدون أن حبال الوصل بينكم متينة عصية على القطع.
أما الأبناء فاعلموا أن الحياة تعيد نفسها؛ فما تصنعوه في آبائكم انتظروه من أبنائكم، وإن لم تكن مشاعركم وعقولكم تقودكم إلى الرفق بالآباء؛ فإن قرارات هذا البلد الحكيم ستضع حدا لكم؛ لأن بلد الإنسانية لا مكان فيه للقسوة والكراهية!